كليم الله والفرعون الذي إدعى الألوهية
من هو كليم الله؟
هو نبي الله موسى عليه السلام، إبن عمران إبن جاهف إبن لاوي إبن يعقوب إبن إبراهيم عليهم السلام، لقب بكليم الله لأنه كلمه الله تكليما، وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ۚ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا سورة النساء الآية (164)، و يصف لنا رسول الله محمد عليه الصلاة و السلام موسى عليه السلام قائلا: و أما موسى فآدم "أي أسمر" و أجعد الرأس و أعطاه الله عز و جل قوة عشرة رجال. و لما عرج برسول الله عليه الصلاة و السلام إستأدن جبريل عليه السلام موسى أن يدخل عليه النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فلما دخل فإذا بموسى يرفع صوته، قال محمد عليه الصلاة و السلام من هذا يا جبريل؟ قال هذا موسى، قال عليه الصلاة و السلام و من يكلم؟ قال يكلم ربه، قال عليه الصلاة والسلام آ و يجرأ؟ قال إن الله علم شدته فغفر له، و من صفاته كان لديه حبس في لسانه لكنه كان إذا تكلم في الحق أو الدعوة أفصح الله لسانه، وذكر الله هذا الكلام على لسان فرعون، في سورة الزخرف أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ .(52)
فرعون موسى عليه سلام
تعاقبوا الملوك (الفراعنة) في مصر حتى جاء الفرعون قابوس إبن مصعب، كان حاكما ظالما من أشد ناس ظلما و كفرا، آذى بني إسرائيل بشدة. بعد موته جاء فرعون موسى، إختلف العلماء في إسمه منهم من قال رامسيس و منهم من قال إسمه غير عربي و منهم من قال إسمه الواليد إبن مصعب إبن قابوس، و كما قال إبن كثير رحمه الله أيا كان إسمه فلعنة الله عليه لأنه لم تعرف الأرض و البشرية حاكما ظالما مثله، إدعى الألوهية بقولته المشهورة أنا ربكم الأعلى يقول عن نفسه ما علمت لكم من إله غيري ينازع الله في ألوهيته. ذات يوم أعجب هذا الفرعون بفتاة و كانت هذه الفتاة مؤمنة، موحدة، إنها آسية بنت مزاحم. قال لأبيها إني أريد أن أتزوج إبنتك، فأجابه مزاحم أن إبنته لا تزال صغيرة (أراد أن يتهرب من الموضوع)، رد عليه الفرعون قائلا إما أن أتزوج بيها أو يهلك أهلها و أخدها آمة عندي، فذهب مزاحم إلى إبنته فأخبرها بما أراد الفرعون، فتزوجته رغما عن أنفها خوفا من بطش هذا الفرعون وهي لا تريده و لا تحبه، وعن آسية رضي الله عنها ذكر نبي قائلا:
قال كمل من رجال كثير و لم يكمل من نساء إلا أربع، قال كملت مريم إبنت عمران و خديجة بنت خويلد و آسية بنت مزاحم و فاطمة زهراء بنت محمد رضي الله عنهن ر أرضاهن
ولادة موسى و نشأته
كان هذا الفرعون جبارا، كافرا، يدعي أنه رب من دون الله سبحانه وتعالى و أخد يستضعف في بني إسرائيل وجعل أهلها شيعا، يعني جعلهم أقساما وطبقات، أذلهم و قتل أبنائهم و إستحيى نسائهم أي لا يقتل نسائهم يستخدمهن خدم و قال بعض أهل العلم يغتصبهن، كان بني إسرائيل في عهد يوسف عليه السلام يعيشون في أحسن البيوت و يأكلون أحسن الأكل و يعيشون في الرفاهية حتى أصبحوا عبيدا في عهد هذا الفرعون ظالم.
في ذالك الوقت إنتشر بين بني إسرائيل بشارة، أنه سيأتي غلام يخرج من بيت فرعون يخلصهم من ضلمه، و قال بعض أهل العلم البشارة كانت رؤية لفرعون في منامه، يقول أنه رأى نارا تخرج من بيت المقدس و تأتي نحو مصر و تحرق ديار كل مصري و قبطي إلا ديار بني إسرائيل، استشار فرعون كهنته و رجال الدين ففسروها له ، قالوا سيولد مولود من بني إسرائيل يكون هلاكك على يده، غضب هذا الضالم و أصدر أمرا أن إقتلوا كل مولود ذكر من بني إسرائيل.
هارون أخ موسى، كان قد ولد قبل أن يرى الفرعون تلك الرؤية، و كانت أم موسى حامل به رضي الله عنها. أرسل الفرعون القابلات لتتفقدن بيوت بني إسرائيل، و التي يكتشفن أنها حامل يضعن علامة علي بيتها و في يوم الولادة إذا كان المولود ذكر يغرق في واد النيل و لذلك جعل الله عقوبته الموت غرقا و إذا كانت بنت يتركونها، إستطاعت أم موسى أن تستر حملها بإذن الله و مساعدة إبنتها.
جاء يوم الولادة، خرج المولود و إذا به ذكر و أم موسى تعلم أن هذا الظالم يتلذذ بقتل رضع بني إسرائيل، أوحى الله إلى أم موسى، إختلف العلماء هل نزل جبريل، هل الوحي كان إلهاما، كما قال الله في كتابه الحكيم في سورة القصص وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ الآية (7)
يقول العلماء أنها أرضعته عليه السلام من ثديها الأيمن مع بزوغ الشمس ثم ألقته في اليم و ما غابت الشمس و جاع عليه السلام إلا و هو يرضع من ثديها الأيسر بقدرة الله سبحانه و تعالى، يقول الله تعالى في سورة القصص فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الآية (13).
عندما ألقت أم موسى رضيعها في اليم، حمله التيار إلى قصر الفرعون، أول من تلقاه زوجة الفرعون آسية ، فقال فرعون موسى أقتلوه فلربما من بني إسرائيل، فردت آسية قائلة لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخده ولدا، كما قال الله على لسان آسية في سورة القصص وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ الآية (9)
ترعرع و نشأ موسى عليه السلام فى قصر الفرعون حتى أصبح شابا و بلغ أشده أعطاه الله القوة و الحكمة والعلم، في أحد الأيام خرج موسى عليه السلام يمشي في أزقة مصر و في وقت كانت الناس لا تخرج فيه، قالو العلماء إما وقت الضهيرة أو آخر الليل، فوجد فيها رجلان يتقاتلان أحدهما من شيعته أي بني إسرائيل و الثاني من عدوه أي أهل فرعون، فإستغاثه الذي هو من شيعته، تقدم موسى عليه السلام ليصلح بينهما و ينهي العراك، فوكز المصري ليبعده فإذا به سقط ميتا، يقول العلماء أن الوكزة كانت دفع بسيط بأصبعه عليه السلام، سورة القصص وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ (15).
حزن موسى عليه السلام بعدما قتل الرجل دون أن يقصد ذلك و مباشرة أخذ عليه السلام يستغفر الله ويتوب إليه، سورة القصص قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. (16)، و أخد وعد على نفسه كما ذكر الله تعالى في سورة القصص قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ. (17)
.فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ ۚ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ . سورة القصص الآية (18)، أصبح موسى عليه السلام فزعا، بإنتشار الخبر بسرعة في المدينة خائفا من إنكشاف أمر قتله للمصري. فبدأ يحاول تسلل دون أن يراه أحد، و في اليوم التالي بينما عليه السلام يتسلل بين دروب مصر، فإذا به يقابل الذي إستنصره بالأمس يطلب النجدة مرة ثانية فقال له موسى عليه السلام إنك لغوي مبين، أي تحب المشاكل، فإقترب منه موسى عليه السلام لينهي الخلاف، فقال له الإسرائيلي: أتريد قتلي كما فعلت الأمس بقتلك للمصري، كما ذكر الله تعالى على لسان هذا الإسرائيلي في القرآن الكريم سورة القصص فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ۖ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ . (19)، إنتشر الخبر في المدينة بسرعة و أصبح موسى عليه السلام منكشفا. أمر الفرعون جنوده بالبحث عن موسى عليه السلام و قتله، وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ . سورة القصص الآية (20)، كان رجل مؤمن في قصر الفرعون لا أحد يعلم بإيمانه و توحيده، و جاء هذا رجل إلى موسى لينذره بأن الفرعون و ملأه يأتمرون بك و يريدون قتلك، أنصحك أن تخرج من المدينة، فخرج موسى من المدينة خائفا كما ذكر الحق عز و جل في سورة القصص فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21).
كان موسى عليه السلام لا يعرف الطريق الذي سيسلكه، فالخروج من بلدك مسألة صعبة، الصحراء من أمامه و الفرعون الظالم من ورائه، خرج عليه السلام من أرض النيل متوجها إلى أرض فلسطين و هو يمشي على رجليه، يقول إبن العباس تقطعت نعاله من كثرة المشي و مسيره حافيا، حتى إنسلخ جلد رجليه، و كان فمه أخضر من كثرة أكله أوراق الأشجار ليسد جوعه حتى وصل ماء مدين, وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ سورة القصص الآية (23)، عند وصوله عليه السلام إلى ماء مدين وجد رجالا تسقي الماء و لفت إنتباهه إمرأتان وسط حشد من الرجال تمنع أغنامهما من أن تختلط بأغنام رعاة الآخرين، فسألهما ما خطبكما؟ أي مذا تفعلان وسط الرجال؟ فأجابتا '' أي واحدة تكلمت بلسان الآخرة '' لا نسقي حتى يسقي كل الرجال و أبونا رجل كبير في السن يعني هذا هو سبب خروجنا من البيت، سقى لهما و تولى إلى ظل شجرة ليستريح، فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ سورة القصص الآية (24)، فجاءته إحدى الفتاتين لكي يذهب معاها إلى أبيها لكي يجزيه عن العمل الذي قام بيه أي ما سقى لهما، عندما وصل بيت هذا الشيخ حكى له قصته كاملة كيف قتل نفس و كيف هرب من القوم الظالمين، فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ سورة القصص الآية (25)، فزوجه إحدى إبنتيه قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ ۖ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ سورة القصص الآية (27).
بعتت موسى و غرق الفرعون
رزق الله موسى عليه السلام بالزوجة الصالحة و الذرية الصالحة، فلما قضى عشرة حجج كما قال أغلب العلماء حن إلى مصر، فأخد زوجته و أولاده و رجع إلى مصر، و في طريق العودة إلى مصر أضاع موسى عليه السلام طريق العودة و تاه في صحراء سناء، في ليلة باردة و مظلمة، أصبح عليه السلام تائها خائفا على أهله من برد الصحراء و وحوشها، كلما مشى عليه السلام عاد إلى نفس المكان، فجأة آنس موسى عليه السلام نارا فطلب من زوجته و أولاده بعدم التحرك و إنتظار عودته عساه أن يأتي بخير منها ينفعهم. شخصا يسأله عليه السلام عن الطريق أو يأتي بقبس من النار يتدفؤون بها، فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ سورة القصص الآية (29). مشى عليه السلام حتى وصل بالقرب من هذه النار، عند جبل طور، في ذلك الواد، و النار وحدها تشتعل بالقرب من شجرة خضراء، و هو يقترب و بيده العصى سمع صوتا يناديه، أي صوت هذا، صوت ليس كمثله شيئ، فبدأ موسى يتسائل خائفا عن من يناديه و كيف يعرف إسمه، فإذا به يجيبه إني انا الله رب العالمين، بدأ يطمأن موسى فدعاه رب العالمين لعبادته و إقامة الصلاة و ذكر الله. فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ. سورة القصص الآية (30)، ثم سئله رب العالمين عن مذا يمسك بيده اليمنى، فرد موسى قائلا: قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ . سورة طه الآية (18)، فطلب منه الله عزوجل أن يلقيها، فلما ألقاها عليه السلام فإذا بالعصى تهتز كثعبان عظيم كأنها جان، ففر موسى خائفا من تلك العصى و ذلك المشهد، قال الله تعالى لموسى خدها و لا تخف هذه آية من آيات الله، إقترب عليه السلام ليأخدها و عند لمسه للثعبان تحول إلى عصى مرة آحرى. وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى (18) قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آَيَةً أُخْرَى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آَيَاتِنَا الْكُبْرَى (23) سورة طه، أما الآية الثانية ضع يدك في جيبك ثم آخرجها تتحول بيضاء ناصحة، إصطفى الله موسى وجعله رسولا وأمره بالذهاب إلى فرعون فقد طغا و تجبر، و في هذه الليلة المضلمة و الباردة و عند تلك النار بدأت بعتت موسى عليه السلام ليذهب إلى فرعون ليبلغه دين الله تعالى و يدعوه إلى عبادة الله و إلى التوحيد، فتذكر موسى عليه السلام أنه قتل نفس بينهم من قبل و أن فرعون بنفسه يبحث عنه ليقتله فكيف يذهب إليه ليدعوه إلى التوحيد، و تذكر الحبس الذي عنده بلسانه، فطلب من ربه أن يرسل معه أخاه هارون نبيا معه لأنه أفصح لسانا منه، فأستجاب الله عزوجل لسئل موسى عليه السلام، قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُو أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35) سورة القصص.
عند عودته عليه السلام إلى مصر ذهب إلى أهله، هناك كلم آخاه هارون عليه السلام و أن الله جعله مع موسى نبيا، وزيرا يؤيده، قال هارون و ماذا طلب الله منا؟ أجابه موسى بأن نذهب مباشرة إلى قصر الفرعون و أن ندعوه إلى توحيد الله، لما وصل موسى و بيده العصى و معه آخاه هارون إلى قصر الفرعون و في الخارج أوقفهما الحراس، فطلب موسى عليه السلام الدخول إلى الفرعون، و من أنت رد الحارس قائلا.
أنا موسى إبن عمران، ذهب الحارس إلى الفرعون و قال هناك من يريد الدخول إليك و يقول أن إسمه موسى إبن عمران، فبهت الفرعون، بعد عشرة سنين من البحث أو أكثر و لم يجده حتى جاء موسى لوحده إليه، فأذن له بالدخول.
فلما دخل موسى عليه السلام مع هارون إلى قصر الفرعون، وجد حوله الملأ، المقربين من الفرعون، الوزراء و الحاشية، سئله الفرعون عن سبب مجيئه فأجاب موسى جئتك أدعوك لعبادة الله وحده لا شريك له، فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَىٰ أَنْ تَزَكَّىٰ (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ (19) سورة النازعات، إستغرب هذا الظالم و بدأ يتسأل أنت يا موسى الذي ربيناك عندنا في هذا القصر، في هذا المكان جئتنا وليدا وجدناك و أطعمناك حتى صرت رجلا غبت عنا عشرة سنين بعد فعلتك التي فعلت و الآن جئت تدعونا إلى دين جديد، قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19) سورة الشعراء، لم ينكرعليه السلام أنه قتل نفسا خطأ، قال فعلتها إذن و أنا من الظالين فررت ثم رجعت أذكركم بالله عز و جل و أدعوكم إلى توحيد رب العالمين، و في هذه اللحظة بدأ الفرعون يستهزأ بنبي الله عليه السلام أمام الملأ بقوله و ما رب العالمين؟ ظنا منه أن موسى عليه السلام لن يجيبه، فإذا به عليه السلام يجيب بكل الجرأة قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ (24) سورة الشعراء. أي هذا الفرعون الذي يزعم أنه رب و أنه هو الله كاذب، أنا أدعوكم لعبادة من خلق السماوات و الأرض و ما بينهما، فإذا بفرعون يغلي غضبا و ينهض من كرسيه و ينادي الذين من حوله يقول لهم هل أنتم سامعون لهذا الهراء الذي يتفوه به موسى، فإذا يرد عليه السلام بكل ثقة قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) سورة الشعراء، أي إذا كان فرعون ربا فمن خلقه و خلق آبائه و آبائكم الأولين؟ إنه الله سبحانه و تعالى، هنا بدأ فرعون يغلض الحديث بقوله إن رسولكم هذا الذي يزعم أنه أرسل إليكم لمغلوب على عقله، وأن الذي يدعو إليه موسى باطل ليست له حقيقة. قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) سورة الشعراء، لم يبالي موسى عليه السلام و إستغل الفرصة بأكملها، هل المجنون يدعوكم وفرعون إلى عبادة رب المشرق والمغرب وما بينهما يعني ملك مشرق الشمس ومغربها، وما بينهما من شيء، لا إلى عبادة ملوك مصر الذين كانوا ملوكها قبل فرعون لآبائكم فمضوا، ولا إلى عبادة فرعون الذي هو ملكها، إن كان لكم عقول تعقلون بها ما يقال لكم، وتفهمون بها ما تسمعون مما يعين لكم؛ فلما أخبرهم عليه السلام بالأمر الذي علموا أنه الحق الواضح، إذ كان فرعون ومن قبله من ملوك مصر لم يجاوز ملكهم عريش مصر، وتبين لفرعون ومن حوله من قومه أن الذي يدعوهم موسى إلى عبادته، هو الملك الذي يملك الملوك. قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (28) سورة الشعراء، جن جنون الفرعون و إنفجر غضبا و يقول لمن حوله ما علمت لكم من إله غيري يا موسى فإن لم تسكت عن هذه الدعوة و عن هذا الكلام فإن السجن ينتظرك، قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَٰهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29) سورة الشعراء، و إذا بموسى عليه السلام يرد عليه يريد أن يقلب الحديث في صالحه، قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ (30) سورة الشعراء، قبل أن تدخلني السجن، قبل أن تمنعني أن أتكلم مع الناس و أبلغهم دين الله عز و جل قبل أن تفعل أي شيئ دعني أبين لك آية بينة، أبين لك صدق ما أقول يا فرعون وحقيقة ما أدعوك إليه؟ وإنما قال ذلك له، لأن من أخلاق الناس السكون للإنصاف، والإجابة إلى الحق بعد البيان. قال و ما المبين عندك يا موسى أنت لا تعرف حتى الحديث و لا تكاد تبين، فإذا بموسي عليه السلام يرفع عصاه و الملأ يشاهدون في قصر الفرعون ثم يرمي عليه السلام العصى فإذا هيا ثعبان مبين، فقام الناس من مقامهم خوفا و هربا من عصى كليم الله عليه السلام، ثم رفع عليه السلام يده بعد ما أدخلها في جيبه فإذا هيا بيضاء، ناصحة، نور يتلألأ و إنبهر كل الحضور.
قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَىٰ (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَانًا سُوًى (58) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) سورة طه.
هنا فرعون خاف من موسى عليه السلام بأن يفتن الناس و تصدقه، فقال لهم بأن هذا سحر و معروف في مصر، و إن عندنا سحرا مثل سحرك فلا يغرنك ما أنت فيه فاجعل يوما نجتمع نحن و أنت فيه فنعارض ما جئت به بما عندك من السحر في مكان معين و وقت معين، قال لهم موسى ( موعدكم يوم الزينة ) و هو يوم عيدهم و تفرغهم من أعمالهم و إجتماعهم جميعهم؛ ليشاهد الناس قدرة الله على ما يشاء، ومعجزات الأنبياء، و بطلان معارضة السحر لخوارق العادات النبوية، و لهذا قال: ( وأن يحشر الناس ) أي: جميعهم ( ضحى ) أي: ضحوة من النهار ليكون أظهر و أجلى و أبين و أوضح، و هكذا شأن الأنبياء، كل أمرهم واضح، بين ،ليس فيه خفاء و لا ترويج؛ و لهذا لم يقل " ليلا " و لكن نهارا ضحى. قال ابن عباس و كان يوم الزينة يوم عاشوراء. وقال السدي ، وقتادة ، و ابن زيد كان يوم عيدهم. وقال سعيد بن جبير يوم سوقهم. و عن علماء آخرين قالوا و في مثله أهلك الله فرعون وجنوده ، كما ثبت في الصحيح.
وقال وهب بن منبه : قال فرعون : يا موسى ، اجعل بيننا وبينك أجلا ننظر فيه. قال موسى: لم أومر بهذا ، إنما أمرت بمناجزتك، إن أنت لم تخرج دخلت إليك. فأوحى الله إلى موسى أن اجعل بينك وبينه أجلا وقل له أن يجعله هو . قال فرعون: اجعله إلى أربعين يوما.
و قال مجاهد و قتادة : ( مكانا سوى ) منصفا. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ( مكانا سوى ) مستوي يتبين للناس ما فيه، مستوي حتى يرى. جاء ذلك اليوم، و جمع الفرعون السحرة، أفضل السحرة في مصر و كبارهم، ذكر العلماء أن عددهم كان بالآلاف إجتمعوا عند فرعون و أرادوا المعرفة هل سيكرمهم إذا غلبوا، فكان جوابه بالتأكيد و وعدهم أن يكونوا من المقربين عنده من الخواص، لكي يحفزهم على الإنتصار، تجمع الناس ينتظرون تلك المعركة و ذلك التحدي خرج الناس من جميع أنحاء مصر كل الناس الغني و الفقير، الصبي و المسن، المصريين و بني إسرائيل، لمعرفة هل رب العالمين عز و جل على حق أم الفرعون الذي على حق.
آلاف السحرة أمام كليم الله و ليس بيده إلا عصاه، نصحهم موسى عليه السلام نصيحتا قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىٰ (61) سورة طه لما سمعوا هذه الكلمات علوموا أنها ليست كلمات إنسان عادي أو كلمات ساحر كما وصف لهم فرعون، فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَىٰ (62) سورة طه أي تشاجروا فيما بينهم فقائل يقول: ليس هذا بكلام ساحر، إنما هذا كلام نبي. وقائل يقول: بل هو ساحر. وقيل غير ذلك، والله أعلم، و تناجوا فيما بينهم.
تواجه الفريقان، فريق موسى و عصاه و فريق السحرة بالعصي و الأحبال، يقول تعالى مخبرا عن السحرة حين توافقوا هم وموسى عليه السلام، أنهم قالوا لموسى: (إما أن تلقي) أي: أنت أولا (إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى)، قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا ۖ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ (66) سورة طه، أي: أنتم أولا ليرى ماذا تصنعون من السحر، وليظهر للناس جلية أمرهم وذلك أنهم أودعوها من الزئبق ما كانت تتحرك بسببه وتضطرب وتميد، بحيث يخيل للناظر أنها تسعى باختيارها، وإنما كانت حيلة، وكانوا جما غفيرا وجمعا كبيرا فألقى كل منهم عصا وحبلا حتى صار الوادي ملآن حيات يركب بعضها بعضا. خاف نبي الله على الناس أن يفتتنوا بسحرهم ويغتروا بهم قبل أن يلقي ما في يمينه ، فأوحى الله تعالى إليه في الساعة الراهنة أن وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ۖ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ۖ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ (69) سورة طه، وذلك أنها صارت تنينا عظيما هائلا ذا عيون وقوائم وعنق ورأس وأضراس، فجعلت تتبع تلك الحبال والعصي حتى لم تبق منها شيئا إلا تلقفته وابتلعته، والسحرة والناس ينظرون إلى ذلك عيانا جهرة، نهارا ضحوة. فقامت المعجزة، واتضح البرهان، وبطل ما كانوا يعملون ، غلب السحرة و علموا أنها آيات ربي العالمين و ليس عمل ساحر كما إدعى الفرعون، فما كان إلا أن كل السحرة خروا ساجدين للله عز و جل.
استطاش الفرعون غضبا من ما حصل، السحرة الذين جاء بهم كلهم سجدوا لرب العالمين سبحانه و تعالى، فسألهم هذا الظالم ماذا أنتم فاعلون؟ قالوا آمنا، آمنتم بمن؟ آمنا برب موسى و هارون، ثم قال لهم كان يجب طلب الإستئدان مني قبل أن تؤمنوا، بل هو كبيركم الذي علمكم السحر و لهذا سجدتم له، أراد هذا الظالم بقولته هذه أن يشوه صورة موسى عليه السلام أمام الجميع بأنه مجرد ساحر و ليس رسول مرسل من رب العالمين كما يدعي، فإذ به يهدد السحرة، قال لهم إذا لم تتراجعوا عن دينكم الجديد و عن إيمانكم برب هارون و موسى لأقطعن أيديكم و أعدبكم شر عذاب، فإذا بالسحرة الذين كانوا يحاربون الله و رسوله رسخ الإيمان بقلوبهم و تبتوا على دين الحق، قالوا له إفعل ما تفعل يا فرعون فإننا آمنا بالله رب العالمين و لا يهمنا إن تقطع أطرافنا أو تصلبنا إفعل ما تريد فإنك تفعل ذلك في الدنيا و نحن نرجى لمغفرة من الله و جنات عرضها السموات و الأرض في الدار الآخرة.
رغم أن السحرة أمنوا بالله عز و جل و رأى فرعون ما رأى من الآيات البينات، ظل على عناده و كفره و جحوده، موسى عليه السلام يدعوهم إلى الله، و هم يتشبتون بكفرهم و عنادهم، إزداد الكفر و ظل الطغيان، فأنزل الله سبحانه و تعالى في فرعون و قومه آيات لكي يثوبوا إلى الله عز و جل و لكن ما لرجل مثل هذا أن يثوب، أول بلاء نزل عليهم القحط، وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) سورة الأعراف، أصابهم القحط حتى هلكت الزروع و ماتت الماشية، أصابهم الجوع و العذاب الشديد، كانوا إذا نزل عنهم العذاب ذهبوا إلى موسى عليه السلام لأنهم يعلمون أنه يلتجأ إلى رب العالمين و أن الله يستجيب لموسى، فذهبوا يستغيثونه و يطلبونه أن يدعوا الله عز و جل، أن يكشف عنهم هذا البلاء فإذا أزاح عنهم العذاب ليؤمنوا بيه و بربه و ليرسلوا معه بني إسرائيل، فلما دعى موسى الله و إستجاب له سبحانه و تعالى وأعاد إليهم الخيرات مرة آخرى و زادت الثمرات، نبدوا الوعد الذي وعدوه لموسى بل ظل فرعون و قومه في كفرهم و عنادهم، فأخدهم الله عز و جل بعذاب آخر و هو الطوفان، جاء الطوفان فأهلك كل الزروع و غطى كل ما عندهم من الثمرات، فذهبوا إلى موسى أدعو لنا ربك بما عهد عندك، فلما دعاه و زال الطوفان و إستوى الزرع و كبرت الثمرات نقضوا العهد كعادتهم و ظلوا على كفرهم و عنادهم فأنزل الله عز و جل بلاء آخر، غزاهم جراد أكل كل المحاصيل، قال يا موسى أدعوا لنا ربك إذا أذهب عنا الجراد لنؤمنن بك و بربك، فدعاه عليه السلام و نقضوا كعادتهم ظلوا على حالهم، فأرسل عليهم الله عز و جل القمل يأكل كل ما في مخازنهم و كعادتهم ذهبوا لموسى مسرعين يستنجدونه فدعى الله عز و جل بأن يزيح عذابه فإستجاب و مع هذا رجعوا إلى كفرهم و إستمروا في طغيانهم و عنادهم يجاحدون، فأرسل سبحانه و تعالي عليهم الضفادع كعذاب آخر حتى أصبحت مصر كلها ضفادع لا يوجد موضع قدمين إلى و هناك ضفدع و لا يستطيعون النوم من كثرة ضجيج أصواتها، قالوا يا موسى أدعوا لنا ربك بما عهد عندك فإن أزاح عنا العذاب لنتبعنك و لنؤمنن بالله، فدعاه و نقضوا كعادتهم، فأرسل عليهم الله سبحانه و تعالى آخر عذاب و هو الدم، أصبحت كل مياههم دماء لا يستطعون شربها أو إستعمالها، فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ (133) سورة الأعراف.
تمادى قوم فرعون و الفرعون في تدبيح بني إسرائيل و تعذيبهم و قتلهم و سفك دمائهم لم يتركوا طفلا و لا إمرٱة إلا و إستحيوها و بني إسرائيل يصبرون، حتى أوحى الله سبحانه و تعالى لموسى أن أمر قومك أن يتخدوا منازلهم مساجد و يجعلوها قبلة و يكثروا من الصلاة و الدعاء و لا يخرجوا منها إلا لحاجة ضرورية، لكن العذاب يزداد حتى جاء بني إسرائيل إلى موسى قالوا يا موسى آدانا فرعون و قومه من قبل أن تأتينا و من بعد ما جئتنا نحن في عذاب بعد عذاب، و بلاء بعد آخر، و أوحى الله لموسى و هارون أنه قد جاء موعد الخروجكم ببني إسرائيل من مصر، أمروا بني إسرائيل أن يخرجوا كلهم في يوم محدد، فأستأدنوا من فرعون أن يخرجوا يوم عيد لهم لكي يحتفلوا و صدقهم فرعون، فخرجوا في تلك الليلة كلهم مئات الآلاف من الرجال و النساء، الشيوخ و الأطفال و العجائز، فعلم بعد ساعات فرعون بالخبر، جمع جيشه، كل الجيش و أرسل خلفهم ليحصدهم و لا يتركوا آحد منهم إلا و يقتلوه.
وصل موسى مع بني إسرائيل إلى شاطئ بحر، فلما أصبح الصباح نظروا من ورائهم إذا هو فرعون و معه جيشه الذي يفوق عدد بني إسرائيل بالألوف، جيش جبار، قادمين نحوهم، البحر من أمامهم و العدو من خلفهم ليس لديهم أسلحة و لا مدربين على فنون الحرب و أغلبهم من النساء لأن فرعون كان يقتل الولدان من الذكور، فخافوا و قالوا لموسى عليه السلام إين المفر إنهم قادمون بل على وشك القبض علينا و بالتأكيد لن يغفر لنا فرعون و يقتلنا و سيدبحنا، و ذكر الله تعالى أنهم قالوا ذلك لموسى، تشاؤما به، و لكن موسى عليه السلام كان موقنا بربه و أن الله عز و جل سينصرهم، فرح الفرعون لأن موسى و بني إسرائيل منعهم البحر و لم يستطيعوا إكمال المسير و الهرب، أمر الله نبيه أن يضرب بعصاه البحر فإذا به ينشق نصفين كل جزء صار كجبل من الماء و صار بينهما طريق جاف ليكملوا المسير، فتقدم موسى و تبعه من معه حتى تجاوزوا البحر، أراد موسى أن يضرب البحر بعصاه ليعود كما كان، أوحى الله لموسى بترك البحر هكذا مقسوما لنصفين، فإذا بفرعون يصل إلى البحر و هو مقسوم، فرعون متردد هل يتبع بني إسرائيل أو يرجع؛ أن يدخل البحر أو لا يدخل، المقربين منه يقولون لفرعون هيا لندركهم إنهم على وشك الهروب و لكنه كان يدرك بأن موسى نبي و بأن في الأمر خطورة إذا تقدم، و في الضفة الآخرى بني إسرئيل يطلبون من موسى أن يرد البحر كما كان خوفا من أن يدركهم فرعون و جنوده، فإذا بجبريل ينزل من السماء على فرس و يحت فرس الفرعون على ركد من خلفه و دخول إلى البحر فإذا بفرعون رغما عنه يدخل إلى البحر مع جيشه حتى توسطوا البحر أمر الله موسى أن يضرب بعصاه البحر مرة آخرة، و إذا البحر كله كجبل يسقط على فرعون و جنوده و يغرقهم أجمعين، قبل قبض روح فرعون أراد أن يتوب و قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بني إسرائيل و جبريل يأخد الطين و يضعه له في فمه، فأجابه الله تعالى، الأن و من قبل كنت من الظالمين. فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66) سورة الشعراء
للمزيد من القصص المرجوا متابعتنا على مدونتنا و على صفحتنا FB زيدك معلومة




